سورة النمل - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


قوله تعالى: {فلما جاء سليمانَ} قال الزجاج: لما جاء رسُولها، ويجوز: فلمَّا جاء بِرُّها.
قوله تعالى: {أتُمِدُّونَني بمال} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {أتُمِدُّونَني} بنونين وياء في الوصل. وروى المسيِّبي عن نافع: {أتُمِدُّوني} بنون واحدة خفيفة وياء في الوصل والوقف. وقرأ عاصم، وابن عامر، والكسائي: {أتُمِدُّونَنِ} بغير ياء في الوصل والوقف. وقرأ حمزة: {أتُمِدُّونِّي بمال} بنون واحدة مشددة ووقف على الياء.
قوله تعالى: {فما آتانيَ اللّهُ} قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {فما آتانِ اللّهُ} بكسر النون من غير ياء. وقرأ أبو عمرو، ونافع، وحفص عن عاصم: {آتانيَ} بفتح الياء. وكلُّهم فتحوا التاء غير الكسائي، فإنه أمالها من {آتاني اللّهُ} وأمال حمزة: {أنا آتيكَ به} أشمَّ النون شيئاً من الكسر، والمعنى: فما آتاني الله، أي: من النبوَّة والملك {خيرٌ مما آتاكم} من المال {بل أنتم بهديَّتكم تَفْرَحون} يعني إِذا أهدى بعضكم إِلى بعض فرح، فأمّا أنا فلا، ثم قال للرسول: {إِرجع إِليهم فلنأتينَّهم بجنود لا قِبَلَ} أي: لا طاقة {لهم بها ولنُخرِجَنَّهم منها} يعني بلدتهم. فلمّا رجعتْ رسلُها إِليها بالخبر، قالت: قد علمتُ أنَّه ليس بملِك وما لنا به طاقة، فبعثتْ إِليه، إِني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما تدعو إِليه، ثم أمرت بعرشها فجُعل وراء سبعة أبواب، ووكَّلتْ به حرساً يحفظونه، وشخصت إِلى سليمان في اثني عشر ألف ملِك، تحت يدي كل ملِك منهم ألوف، وكان سليمان مَهيباً لا يُبتَدأ بشيء حتى يسأل عنه، فجلس يوماً على سرير ملكه فرأى رهجاً قريباً منه، فقال: ما هذا؟ قالوا: بلقيس قد نزلت بهذا المكان، وكان قدر فرسخ، وقد كان بلغه أنها احتاطت على عرشها قبل خروجها ف {قال يا أيُّها الملأُ أيُّكم يأتيني بعرشها}، وفي سبب طلبه له خمسة أقوال.
أحدها: ليعلم صِدق الهدهد، قاله ابن عباس.
والثاني: ليجعل ذلك دليلاً على صِدق نبوَّته، لأنها خلَّفته في دارها واحتاطت عليه، فوجدته قد تقدَّمها، قاله وهب بن منبه.
والثالث: ليختبر عقلها وفطنتها، أتعرفه أم تُنْكِره، قاله سعيد بن جبير.
والرابع: لأن صفته أعجبتْه، فخشي أن تُسْلِم فيحرم عليه مالها، فأراد أخذه قبل ذلك، قاله قتادة.
والخامس: ليريَها قدرة الله تعالى وعِظَم سلطانه، حكاه الثعلبي.
قوله تعالى: {قال عِفْريتٌ من الجِنِّ} قال أبو عبيدة: العِفْريت من كل جِنّ أو إِنس: الفائق المبالغ الرئيس. وقال ابن قتيبة: العِفْريت: الشديد الوثيق. وقال الزجاج: العفريت: النافذ في الأمر، المبالغ فيه مع خُبث ودهاء.
وقرأ أُبيُّ بن كعب، والضحاك، وأبو العالية، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: {قال عَفْرِيت} بفتح العين وكسر الراء. وروى ابن أبي شريح عن الكسائي: {عِفْريَةٌ} بفتح الياء وتخفيفها؛ وروي عنه أيضاً تشديدها وتنوين الهاء على التأنيث.
وقرأ ابن مسعود، وابن السميفع: {عِفْرَاةٌ} بكسر العين وفتح الراء وبألف من غير ياء.
قوله تعالى: {قَبْلَ أن تَقُوم من مَقامِكَ} أي: من مجلسك؛ ومثله {في مَقَامٍ أمينٍ} [الدخان: 51]. وكان سليمان يجلس للقضاء بين الناس من وقت الفجر إِلى طلوع الشمس، وقيل: إِلى نصف النهار {وإِنِّي عليه} أي: على حمله {لَقَوِيٌّ}.
وفي قوله: {أمينٌ} قولان:
أحدهما: أمين على ما فيه من الجوهر والدُّرِّ وغير ذلك، قاله ابن السائب.
والثاني: أمين أن لا آتيك بغيره بدلاً منه، قاله ابن زيد.
قال سليمان: أريد اسرع من ذلك، {قال الذي عنده عِلْمٌ مِنَ الكِتَاب} وهل هو إِنسي أم مَلَك؟ فيه قولان:
أحدهما: إِنسيّ، قاله ابن عباس، والضحاك، وأبو صالح. ثم فيه أربعة أقوال.
أحدها: أنَّه رجل من بني إِسرائيل، واسمه آصف بن برخيا، قاله مقاتل. قال ابن عباس: دعا آصف وكان آصف يقوم على رأس سليمان بالسيف فبعث اللّهُ الملائكة فحملوا السرير تحت الأرض يَخُدُّون الأرض خَدّاً، حتى انخرقت الأرض بالسرير بين يدي سليمان.
والثاني: أنه سليمان عليه السلام، وإِنما قال له رجل: أنا آتيك به قبل أن يرتد إِليك طَرْفك، فقال: هات، قال: أنت النبيُّ ابن النبيِّ، فان دعوتَ الله جاءكَ، فدعا اللّهَ فجاءه، قاله محمد بن المكندر.
والثالث: أنَّه الخضر، قاله ابن لهيعة.
والرابع: أنه عابد خرج يومئذ من جزيرة في البحر فوجد سليمان فدعا فأُتيَ بالعرش، قاله ابن زيد.
والقول الثاني: أنه من الملائكة. ثم فيه قولان:
أحدهما: أنه جبريل عليه السلام.
والثاني: مَلَك من الملائكة أيَّد اللّهُ به سليمان، حكاهما الثعلبي.
وفي العِلْم الذي عنده من الكتاب ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه اسم الله الأعظم، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والجمهور.
والثاني: أنه عِلْم كتاب سليمان إِلى بلقيس.
والثالث: أنه عِلْم ما كتب اللّهُ لبني آدم، وهذا على أنه مَلَك، حكى القولين الماوردي.
وفي قوله: {قبل أن يَرْتَدَّ إِليكَ طَرْفُك} أربعة أقوال.
أحدها: قبل أن يأتيَك أقصى ما تنظر إِليه، قاله سعيد بن جبير.
والثاني: قبل أن ينتهي طرفك إِذا مددته إِلى مداه، قاله وهب.
والثالث: قبل أن يرتد طرفك حسيراً إِذا أدمتَ النظر، قاله مجاهد.
والرابع: بمقدار ما تفتح عينك ثم تطرف، قاله الزجاج. قال مجاهد: دعا فقال: ياذا الجلال والإِكرام. وقال ابن السائب: إِنما قال: ياحيُّ ياقيُّوم.
قوله تعالى: {فلمَّا رآه} في الكلام محذوف، تقديره: فدعا اللّهَ فأُتيَ به، فلمَّا رآه، يعني: سليمان {مستقِرّاً عنده} أي: ثابتاً بين يديه {قال هذا} يعني: التمكُّن من حصول المراد.
قوله تعالى: {أأشكُر أم أكفُر} فيه قولان:
أحدهما: أأشكر على السرير إِذ أُتيتُ به، أم أكفر إِذا رأيتُ من هو دوني في الدنيا أعلم مني، قاله ابن عباس.
و الثاني: أأشكر ذلك من فضل الله عليَّ، أم أكفر نعمته بترك الشُّكر له، قاله ابن جرير.


قوله تعالى: {قال نكِّروا لها عرشها} قال المفسرون: خافت الشياطين أن يتزوج سليمان بلقيس، فتُفشي إِليه أسرار الجن، لأن أُمَّها كانت جِنِّية، فلا ينفكُّون من تسخير سليمان وذرِّيَّته بعده، فأساؤوا الثناء عليها وقالوا: إِن في عقلها شيئاً، وإِن رجلها كحافر الحمار، فأراد سليمان أن يختبر عقلها بتنكير عرشها، وينظر إِلى قدميها ببناء الصرح. قال ابن قتيبة: ومعنى {نكِّروا}: غيِّروا، يقال: نكَّرت الشيء فتنكَّر، أي: غيَّرتُه فتغيَّر. وللمفسرين في كيفية تغييره ستة أقوال.
أحدها: أنه زِيد فيه ونقص منه، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: أنهم جعلوا صفائح الذهب التي كانت عليه مكان صفائح الفضة، وصفائح الفضة مكان صفائح الذهب، والياقوتَ مكان الزَّبَرْجَد، والدُّرَّ مكان اللؤلؤ، وقائمتَي الزَّبَرْجَد مكان قائمتَي الياقوت، قاله ابن عباس أيضاً.
والثالث: أنهم نزعوا ما عليه من فصوصه وجواهره، روي عن ابن عباس أيضاً.
والرابع: أنهم جعلوا ما كان منه أحمرَ أخضرَ، وما كان أخضر أحمر، قاله مجاهد.
والخامس: أنهم جعلوا أسفله أعلاه، ومُقَدَّمه مُؤخَّره، وزادوا فيه، ونقصوا منه، قاله قتادة.
والسادس: أنهم جعلوا فيه تماثيل السَّمك، قاله أبو صالح.
وفي قوله: {كأنّه هو} قولان:
أحدهما: أنها لمَّا رأته جعلت تَعْرِف وتُنْكِر، ثم قالت في نفسها: من أين يَخْلُص إِلى ذلك وهو في سبعة أبيات والحرس حوله؟! ثم قالت: كأنه هو، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقال قتادة: شبَّهتْه بعرشها. وقال السدي: وجدت فيه ما تعرفه فلم تُنْكِر، ووجدت فيه ما تُنْكِره فلم تُثْبِت، فلذلك قالت: كأنه هو.
والثاني: أنَّها عرفتْه، ولكنها شبَّهتْ عليهم كما شبَّهوا عليها، فلو أنهم قالوا: هذا عرشكِ، لقالت: نعم، قاله مقاتل. قال المفسرون: فقيل لها: فانه عرشكِ، فما أغنى عنكِ إِغلاق الابواب؟!
وفي قوله: {وأُوتينا العِلْم} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه قول سليمان، قاله مجاهد. ثم في معناه قولان:
أحدهما: وأُوتينا العِلْم بالله وقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة.
والثاني: أُوتينا العِلْم باسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها وكُنَّا مُسْلِمِين لله.
والقول الثاني: انه من قول بلقيس، فانها لمّا رأت عرشها، قالت: قد عرفتُ هذه الآية، وأُوتينا العِلْم بصِحَّة نبوَّة سليمان بالآيات المتقدِّمة، تعني أمر الهدهد والرُّسُلِ التي بُعثت من قَبْل هذه الآية، وكُنَّا مُسْلِمِين منقادِين لأمركَ قبل أن نجئ.
والثالث: أنه من قول قوم سليمان، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {وصدَّها ما كانت تعبُد مِنْ دون الله} قال الفراء: معنى الكلام: هي عاقلة، إِنَّما صدَّها عن عبادة الله عبادتُها الشمس والقمر، وكان عادةً من دين آبائها؛ والمعنى: وصدَّها أن تعبُد الله ما كانت تعبد، قال: وقد قيل: صدَّها سليمانُ، أي: منعها ما كانت تعبُد.
قال الزجاج: المعنى: صدَّها عن الإِيمان العادةُ التي كانت عليها، لأنها نشأت ولم تعرِف إِلا قوماً يعبُدون الشمس، وبيَّن عبادتها بقوله: {إِنَّها كانت من قوم كافرين} وقرأ سعيد بن جبير، وابن أبي عبلة: {أنَّها كانت} بفتح الهمزة.
قوله تعالى: {قيل لها ادخُلي الصَّرْحَ} قال المفسرون: أمر الشياطين فبنَوا له صرحاً كهيئة السطح من زجاج.
وفي سبب أمره بذلك ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه أراد أن يريَها مُلكاً هو اعزُّ من مُلكها، قاله وهب بن منبِّه.
والثاني: أنه أراد أن ينظر إِلى قدمها من غير أن يسألها كشفها، لأنه قيل له إِن رجلها كحافر الحمار، فأمر ان يُهيَّأ لها بيت من قوارير فوق الماء، ووُضع سرير سليمان في صدر البيت، هذا قول محمد بن كعب القرظي.
والثالث: أنه فعل ذلك ليختبرها كما اختبرته بالوصائف والوصفاء، ذكره ابن جرير. فأمّا الصَّرْح فقال ابن قتيبة: هو القصر، وجمعه: صُروح، ومنه قول الهذليِّ:
على طُرُقٍ كنحور الرِّكا *** بِ تَحْسَبُ أعلامَهنَّ الصُّروحا
قال: ويقال: الصَّرْحُ بلاطٌ اتُّخِذ لها من قَوارير، وجُعل تحتها ماءٌ وسمك. قال مجاهد: كانت بِركة من ماء ضرب عليها سليمان قوارير. وقال مقاتل: كان قصراً من قوارير بني على الماء، وتحته السَّمك.
قوله تعالى: {حَسِبَتْه لُجَّةً} وهي: مُعْظَم الماء {وكَشَفَتْ عن ساقَيْها} لدخول الماء، فناداها سليمان {إِنَّه صَرْحٌ مُمَرَّدٌ} أي: مملَّسٌ {مِنْ قَوارير} أي: من زُجاج؛ فعلمتْ حينئذ أن مُلك سليمان من الله تعالى، ف {قالت ربِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسي} أي: بعبادة غيرك. وقيل: ظنَّت في سليمان أنه يريد تغريقها في الماء، فلمَّا علمتْ أنه صَرْح ممرَّد قالت: ربِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نفسي بذلك الظَّنِّ، وأسلمتُ مع سليمان، ثم تزوجها سليمان. وقيل: إِنه ردَّها إِلى مملكتها وكان يزورها في كل شهر مرة ويقيم عندها ثلاثة أيام، وأنها ولدت منه، وقيل: إِنه زوَّجها ببعض الملوك ولم يتزوجها هو.


قوله تعالى: {فاذا هم فريقان} أي: مؤمن وكافر {يختصمون} وفيه قولان:
أحدهما: أنه قولهم {أتَعْلَمون أنَّ صالحاً مُرْسَلٌ مِنْ ربِّه...} الآيات [الأعراف: 75، 80].
والثاني: أنه قول كل فريق منهم: الحقُّ معي.
قوله تعالى: {لِمَ تَسْتَعْجِلونَ بالسَّيِّئة} وذلك حين قالوا: إِن كان ما أتيتنا به حقّاً فائتنا بالعذاب. وفي السيِّئة والحسنة قولان:
أحدهما: أن السيِّئة: العذابُ، والحسنة: الرحمة، قاله مجاهد.
والثاني: أن السيِّئة: البلاءُ، والحسنة: العافية، قاله السدي.
قوله تعالى: {لولا} أي: هلاَّ {تَستغفِرونَ اللّهَ} من الشِّرك {لعلَّكم تُرْحَمون} فلا تعذَّبون. {قالوا اطَّيَّرْنا} قال ابن قتيبة: المعنى: تَطَيَّرنا وتشاءَمْنا {بك}، فأُدغمت التاء في الطاء، وأُثبتت الألف، ليسلم السكونُ لِمَا بعدها. وقال الزجاج: الأصل: تطيَّرنا، فأُدغمت التاء في الطاء، واجتُلبت الألفُ لسكون الطاء؛ فاذا ابتدأتَ قلتَ: اطَّيَّرنا، وإِذا وصلتَ لم تذكر الألف وتسقط لأنها ألِف وصل، وإِنما تطيَّروا به، لأنهم قحطوا وجاعوا، ف {قال} لهم {طائرُكم عِنْدَ الله} وقد شرحنا هذا المعنى في [الاعراف: 131].
وفي قوله: {تُفْتَنون} ثلاثة أقوال.
أحدها: تُختَبرون بالخير والشر، قاله ابن عباس.
والثاني: تُصرَفون عن دينكم، قاله الحسن.
والثالث: تُبتلَوْن بالطاعة والمعصية، قاله قتادة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6